"إذا خسر الرئيس الأمريكي جو بايدن انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل ، فسيسجل التاريخ أن تدمير الرئاسة استغرق 10 دقائق فقط". كان هذا هو تعليق شبكة سى ان ان الإخبارية الأميركية التي نظمت المناظرة الكارثية بين بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب مع العلم ان الشبكة معروفة بانتمائها للديمقراطيين.
علي كل حال، كان من الواضح أن كارثة سياسية كانت على وشك أن تتكشف بمجرد أن وقف بايدن البالغ من العمر 81 عاما على خشبة المسرح في أتلانتا على بعد ٣ امتار من الرئيس السابق دونالد ترامب في ما قد يتحول إلى النقاش الرئاسي الأكثر مصيرية في التاريخ.
الفارق العمرى بين المرشحين لا يتجاوز 4 سنوات ، لكن فارق اللياقة والحضور الذهنى كاد يتجاوز العشر سنوات لصالح ترامب. بايدن بدا مهزوز خشن الصوت جاحظ العينين على عكس ترامب تماما ، وهذا ما جعل قيادات في الحزب الديمقراطي بعد عشرة دقائق من بدء المناظرة في فتح نقاشات جدية في ضرورة تنحي الرئيس عن استكمال حملته الانتخابية. لهذه الدرجة كانت الكارثة بالرغم من ان الذى دعى الى المناظرة كام بايدن نفسه، وهو ما جعل البعض يطرح نظرية المؤامرة او الخيانة من جانب فريق البيت الأبيض الذى دعى الى المناظرة دون ان يتم تحضير الرئيس لها بالشكل الكافى.
من الناحية الموضوعية، قدم بايدن أضعف أداء منذ أن بدأ جون كينيدي وريتشارد نيكسون تقليد المناقشات التلفزيونية في عام 1960.
منظري الرئاسات الامريكية لديهم تعليق مهم للغاية وهو،" لا يمكن الفوز في أي مناظرة الا في ٣٠ دقيقة الاولي". وفقا لهذا المعيار، فإن هذا الوقت كان كافيا في اظهار بادين اسوآ ما فيه بدرجة مدمرة.
صحيح من السابق لأوانه القول كيف سيستجيب الناخبون وما إذا كان الرئيس يمكنه إنقاذ نفسه. لكن بايدن بالكاد تغلب على ترامب في بعض القضايا، لكن الهدف الرئيسي من المناظرة لم يتحقق بعد ، وهو اقناع المترددين من الشعب الأمريكي وهم غالبا من يحسمون السباق الي البيت الأبيض بالتصويت لصالحه.
كشفت المناظرة مع ترامب، انه الأفضل والأكثر إدراكا وحضورا ذهنيا بالرغم من تعمده الكذب في بعض الأحيان ، مما جعله نظيره في خطر عميق من خسارة إعادة انتخابه، فقد كان فشلا لدرجة ان حزبه بات يفكر جديا في استبداله قبل شهرين من المؤتمر الوطني الديمقراطي.
لم يتجنب ترامب قضاياه المثيرة المتهم فيها. بل كان جريئا، وفي بعض الاحيان غير مهذب. والأكثر عندما قال انه سيقبل نتائج الانتخابات اذا كانت عادلة، وهذا الامر يترك الباب مفتوحا امام سيناريوهات ربما تكون اكثر صداما مما حدث قبيل تولي بادين السلطة قبل اربع سنوات امام وداخل الكونجرس الأمريكي في مشاهد مروعة لم تشهدها أمريكا من قبل.
كان صوت بايدن ضعيفا، وفي بعض الأحيان تحول الي همس. فيما اكن ترامب متاسكا وواضحا واكثر استقرارا حتي في قضايا تهم الناخب الأمريكي مثل الإجهاض، والضرائب والهجرة غير الشرعية.
علي سبيل المثال قال بايدن في رده حول برناج الرعية الصحية: "لقد تغلبنا أخيرا على الرعاية الطبية" واعقب ذلك صمت طويل نسبيا وكأنه فقد الذاكرة للحظات . كان هذا هو اكثر ما يخشاه فريق بايدن. والاسوأ من ذلك انه غالبا ما شاهدنا بايدن، فمه مفتوح.
كان من الصعب رؤية الرئيس الامريكي أمام ملايين الأشخاص الذين يشاهدون على شاشة التلفزيون في جميع أنحاء العالم من الناحية الإنسانية، وهو يعاني تبعات التقدم في العمر، وبدلا ان يصبح رمزا للقوة الامريكية، سار مصدرا للشفقة. ولم تفلح تسريبات فريق الرئيس من انه كان يعاني نزلة برد شديدة في اقناع الجمهور من حال الرئيس الصحية المتراجعة.
دخل بايدن المناظرة لإثبات لغالبية الأمريكيين انه قادر علي العطاء وانه اكثر حيوية مما تتناقله وتضج به وكالات الانباء ومواقع السوشيال ميديا التي تنتشر عليه مقاطع بالجملة عن سقوطة او تآديته للتحية لاشخاص غير موجودين أصلا. وانتهت المناظرة الاولي لتقنع الجميع بجملة واحدة.. انه غير قادر.
غالبا ما يتم تذكر المناظرات الرئاسية لللحظات البصرية التي تصبح جزءا لا يتجزأ من الوعي العام الجماعي في الأيام اللاحقة. ومن المقلق بالنسبة لبايدن، أن المشاهد الذي يهتم فقط بالقرائن المرئية كان سيشكل بالتأكيد الانطباع بأن ترامب كان الشخصية الأكثر قوة. ويشير تاريخ الانتخابات الرئاسية إلى أن المرشح الذي يبدو قويا غالبا ما يتفوق على الشخص الضعيف.
"إنه مؤلم." قال فان جونز، المعلق السياسي لشبكة سي إن إن: "أحب جو بايدن". "إنه رجل جيد، يحب بلده، ويبذل قصارى جهده." لكن كان لديه فرصة الليلة لاستعادة ثقة البلاد والقاعدة وفشل في القيام بذلك. وأعتقد أن هناك الكثير من الناس الذين سيرغبون في رؤيته يأخذ مسارا مختلفا الآن."
حاولت نائبة الرئيس كامالا هاريس تجميل أداء بايدن وقالت بعد المناظرة: "نعم، كانت هناك بداية بطيئة، لكنها كانت نهاية قوية". "وما أصبح واضحا جدا هو أن جو بايدن يقاتل نيابة عن الشعب الأمريكي." فيما يتعلق بالمضمون والسياسة والأداء، فإن جو بايدن قوي بشكل غير عادي."
"يمكن للناس مناقشة نقاط الأسلوب." ولكن في نهاية المطاف، يجب أن تكون هذه الانتخابات ومن هو رئيس الولايات المتحدة حول الجوهر. والتباين واضح. انظر إلى ما حدث أثناء المناقشة. قالت إن دونالد ترامب كذب مرارا وتكرارا كما هو معتاد أن يفعل".
مشكلة بايدن كانت أن أفضل لحظاته في المواجهة التي استمرت 90 دقيقة، جاءت بعد ان كان معظم المشاهدين شكلوا انطباعات قوية بانه غير قادر. وفي بعض الأحيان، بدا حتي أنه غير قادر على الدفاع عن سجله أو انجازاته فضح أكاذيب ترامب بشكل فعال. وكان هذا ما شجع الديمقراطيين للبحث عن بديل.
لكن أي قرار بمحاولة استبدال الرئيس سيكون غير مسبوق في العصر الحديث وقد ينتهي به الأمر إلى تقسيم الحزب - وهي خطوة في حد ذاتها يمكن أن تساعد ترامب على أن يصبح الرئيس الثاني الذي يفوز بفترة ولاية ثانية غير متتالية بسهولة غير متوقعة.
البدائل شبه معدومة ..، ولم يكن هناك جهد يذكر من قبل البيت الأبيض للترويج لهاريس كوريث للرئيس ولديها مشاكل سياسية كبيرة خاصة بها. كما لا يوجد ديمقراطي لديه إمكانيات رئاسية مستقبلية - على سبيل المثال، حاكم ولاية كاليفورنيا. جافن نيوسوم أو حاكم ميشيغان. جريتشن ويتمر لم يعد مرحب بهما.
بايدن ليس أول رئيس له اداء سيء في المناظرات - على الرغم من أن محنته يوم الخميس تتجاوز بكثير الأخطاء التي أجراها باراك أوباما ورونالد ريجان. لكن المشكة انه حتي لو تكررت المناظرات فان الانطبعات الاولي ستدوم لدي الناخب الأمريكي.
السؤال الأهم هو ماذا سينتظر العالم المتعلق بنتائج تلك الانتخابات من مرشحين كلاهما تجاوز الثمانين عاما الأول فقد السيطرة علي وظائفه البدينة وربما العقلية، والأخر يعتقد البعض ان اذا فدر له النجاح فانه سيتعامل الجميع بمنطق "رامبوا".. عاد لينتقم.